حريات خلف الجدران .. بقلم المحامي نزيه المعلوف

طلعت روحي يااستاذ .. والله رايح اطق ..بالحبس ابني صار عمرو ثلاث سنوات وما شفتو .. مشان الله تطالعني .. حطوني بالحبس على اساس كم يوم بتطلع ولحد الأن بعدني بالتحقيق ..بكى بكاءاً مراً وأخذ ينتحب ..ويلطم على وجهه ..

.. التقيت احد المسؤولين عن ادارة السجن وعلمت منه كم هي معاناة القائمين على الادارة لتأمين الخدمات اللازمة والحراسة أمام هذا العدد الهائل من الموقوفين .. وكم يحتاجون من نفقات باهظة لتأمين الطعام ومستلزمات الاقامة .. والخدمات ..فسوريا من أكثر دول العالم أمناً وأٌقلها جريمةً .

ومن خلال الحديث تبينت الأسباب الكامنة وراء تواجد هذا العدد من الموقوفين .. فالقسم الأكبر منهم موقوفاً على ذمة التحقيق .. والبعض منهم مضى على توقيفهم اكثر من عامين ولا زالوا موقوفين لصالح التحقيق البدائي ( قاضي التحقيق ).

بجرائم عادية ( تزوير .. احتيال .. عجز وظيفي .. شروع بالقتل .. الخ ) .. وليس من الثابت بعد ارتكابهم للجرم المنسوب اليهم .. فكثيرة هي حالات البراءة أو عدم المسؤولية أو تبديل الوصف الجرمي لجرم أخف ..أقل عقوبة في حال الادانة من مدة التوقيف .
خرجت من السجن مثقلاً بالهموم التي حملتها مما سمعت وعاينت ...فقلت في نفسي لابد من ايجاد حل شامل لهذه المشكلة ورفع المعاناة عن المظلومين فبحسب خبرتي القضائية كثيراً ما يكون التوقيف خاطئ والجرم لايستوجب هذه المدة من التوقيف .
التوقيف قبل ثبوت الجرم يحمل في طياته الكثير من المعاناة الانسانية ليس فقط بما يحمله للموقوف من ألم ومرارة .. وانما الأهم من ذلك معاناة اسرته واطفاله وحرمانهم من مورد رزقهم ومعيلهم ..
والمساهمة في تشرد العائلة والجنوح الى الجريمة في غياب المربي ومورد الرزق ..وما لذلك من اثر سلبي على المجتمع والوطن برمته .
في اليوم التالي وقد اشارت الساعة الى الخامسة والنصف صباحاً ..فوجئت بالحل وأنا على بعد أمتار من الأسوار.. حينما شاهدت الجدان وقد تحطمت والناس قد تدفقت الى داخل حديقة الفيحاء الكائنة في شرقي التجارة ودخلت معهم لممارسة رياضتي المعتادة ..
لن انسى تلك الفرحة المرتسمة على وجوه روادها وهم يدخلونها أحراراً لايقف في وجههم باب حديدي أو جدار أسواره من حديد.. البارحة كانوا ينتظرون خلف الجدران قدوم البواب ليفتح لهم الباب الصغير الذي لايسمح بدخول أكثر من شخص بمفرده ..أما اليوم فهم احراراً يدخلون اليها متى يشاؤون ومن المكان الذي يختارون ..

تذكرت احداث البارحة والحريات المحتجزة خلف الجدران هناك .. وايقنت أن من هدم جدران الحدائق ليطلق حريات روادها التي كانت تقف خلف اسوارها.. كما سبق وأن أطلق الحريات في ميادين شتى . لابد له من ان يهدم كل جدار يحتجز حرية مواطن لايستوجب حرمانه الحرية.. أن يهدم كافة جدران حجز الحرية مادية كانت أم فكرية ..

فقضية الحرية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالثقافة .. فالثقافات المفلقة تشكل جدراناً منيعة في عقول اصحابها تحول دون تحطيم الجدران الخارجية سواءً كانت جدران سجون أو جدران ممارسات ..

فكثير ممن وراء القضبان هم ضحية الفكر المتخلف غير الواعي لحقيقة العصر وللثورة الفكرية والنهضة الحضارية التي تمر بها البلاد واللذين لم يستطعوا تمثل ارادة الحرية في سلوكهم المهني و في احترام القوانين وحسن تطبيقها .
فلا يعرف اهمية الحرية سوى من عاشها فكراً وممارسة يومية . وأما من أغلق فكره واغمض عينيه لن يتخلص أبداً من العبودية .... وأية جدران تحطمت لن تخرجه الى الحرية .
سيريا ـ كورت

شكرا لكل من مر من هنا
؟؟!!
دمتم بخير
كل عام وأنتم بمليون مليون خير