فن القضاء العرفي

لقد أخترت عنوان فن القضاء العرفي لإن القضاء العرفي بالنسبة لي فن من الفنون وموهبة نادرة تثقلها التجارب
انا باحث في علم القضاء العرفي ووجدت مواضيع كثيرة تتعلق بالقضاء ولكن جميعها مكررة ولقد وجدت إن السوادي من أهم الأشياء التي نستطيع من خلالها تعلم القضاء او ان نثقل موهبتنا به
وهناك قاعدة هامة عند البدو إلا وهي الكبار دفاتر الصغار ولهذا قمت بالبحث والتنقيب عن القصص المتعلقة بالقضايا في بيئة البدو ووجدت هذه القضية التي تعتبر من اوفى وأروع القصص التي تتعلق بالقضاء العرفي والتي قطع فيها الحق قاضي محنك من قضاة قبيلة تسمى قبيلة الترابين ويشرفني ان اقف لهذا القاضي الملقب بالشيخ راشد بن جرمي احتراماً وتبجيلاً لحكمته في الحكم واستخراج نقاط الضعف في الحجة ومطابقتها للواقع بالمعاينة باستخدام فراسته وسرعة بديهته ثم الخروج بنتيجة حاسمة تجعله يقطع الحق بموضوعية لا تقبل النقاش
ولقد قمت بنقل القصة من أحد المنتديات بسندها وهذا للأمانة في النقل

واني أوجه رسالة خاصة الى اعضاء ومسئولي هذا المنتدى الموقر بان يخصصوا هذا الموضوع لسرد قصص القضايا العرفية التي قطع فيها الحق لتكون دفاتر لنا تثقل علمنا بفن القضاء العرفي

اليكم القصة

" قضية اتهام أمرأة بالزنا عجز عن حلها المشايخ في بداية السبعينات "

القضية تتلخص في شاب عمره عشرون عاماً تزوج فتاة ولم يمضي على زواجه منها ثلاثة أشهر حتى أتهمها الشاب بإنه رأي رجل يخرج من عندها وعندما حاول اللحاق به هرب الرجل فصرخ والتم أهله وجيرانه ورأوا جرة الرجل في الأرض فحاولوا تقصي الجرة التي أنقطعت عند طريق أسفلت والبنت هربت من البيت وذهبت عن أخوالها خوفاً من بطش أهلها لإنهم سوف يقتلونها وطلبت البنت من أخوالها أن يثبتوا برأتها لإنها لم تفعل هذا الفعل وإن زوجها كاذب وأهلها صدقوا زوجها وطالبوا أخوالها بأن يردوا البنت لهم ليذبحوها ولكن أخوالها رفضوا أن يسلموهم البنت إلا بعد أن يظهر الحق من خلال حق العرب وقد حدثت هذه المشكلة بمنطقة الصف وقد أرسل أخوال البنت بدوة إلى كبار زوجها ليجلسوا في بيت ملم ويخطوا بيوت القضاء وبالفعل ألتم الأطراف المتنازعة في بيت ملم وخطوا ثلاث بيوت قضاء وكان البيت الثالث بيت الشيخ راشد بن جرمي الترباني
جلس الأطراف في البيت الأول وحكم القاضي بأن يقسم الزوج بالله بإنه صادق وهي كاذبة وتقسم البنت بالله بانها صادقة وهو كاذب ثم ينفصلوا بالطلاق
لم يقبل أخوال البنت الحكم لإن أهل البنت سيقتلونها في هذه الحالة وتم تحويل الجلسة إلى البيت الثاني وحكم القاضي الثاني بثبوت تهمة الزنا لوجود الجرة وشهادة الشهود ولم يقبل أخوال البنت بهذا الحكم أيضاًً.
وبهذا فقد خرج الشيخين المحكمين بحكمين مختلفين ولم يرضى بحكمهم أحد الأطراف المتنازعة وأصبح الملاذ الأخير هو حكم القاضي الثالث الشيخ راشد بن جرمي والذي سيكون حكمه نافذ حسب قانون القضاء العرفي
أراد الأطراف بأن يحضروا إلى مقعد الشيخ راشد بن جرمي بالمعادي ولكن الشيخ راشد بن جرمي رفض وقال سنجلس ببيت العمدة أبو بسيوني عمدة عرب الإحصار بالصف وإن شاء الله سأقطع الحق بينكم
ذهب الشيخ راشد بن جرمي إلى دار العمدة أبو بسيوني وحضر الطرفين أخوال البنت والزوج وأهله فقال الشيخ راشد بن جرمي: قبل أن أسمع حجة كل طرف أريد أن أرى بيت الزوج الذي حدث فيه ما حدث وأريد حضور الشهود الذين خرجوا على صراخ الزوج ورأوا جرة الرجل
ذهب الشيخ راشد مع الزوج وأهله والشهود فعاين بيت الزوج الذي يتكون من دور واحد منفصل عن بيت أبيه فسئل عن جرة الرجل فأجمع الشهود بإنها جرة رجل يجري فسئلهم الشيخ راشد عن بداية الجرة ونهايتها ؟ فأخبروه بإن الجرة أبتدأت من باب البيت وأنتهت عند طريق الأسفلت وأنقطعت الجرة هناك وذهب معهم الشيخ راشد ليعاين خط سير الرجل المتهوم ثم قام بسؤال الزوج وقال له: هل أستغثت في أول لحظة من رؤيتك للرجل ام أنتظرت لحظات ؟
قال الزوج : استغثت عندما رأيته خارج من البيت ثم هرول مسرعاً
قال الشيخ راشد للزوج : هل رأيته عند خروجه من بيتك؟
قال الزوج : نعم
قال الشيخ راشد للزوج : كم صرخة خرجت منك
قال الزوج : أربع صرخات
قال الشيخ راشد : هل ركضت خلفه؟
قال الزوج؟ نعم
ثم سئل الشيخ راشد الشهود وقال : كم صرخة أستغاثة سمعتموها وخرجتم على أي صرخة ؟
قالوا خرجنا على الصرخة الثانية ولا نتذكر كم صرخة سمعناها لإننا توترنا والصرخة أفزعتنا وخرجنا بلا تفكير لنرى ماذا حدث فوجدنا الزوج يركض وركضنا خلفه.
قال الشيخ راشد : هل رأيتم الرجل ؟
قالوا : عندما خرجنا كان الرجل أبتعد وغاب عن الأنظار
ذهب الشيخ راشد بن جرمي مع الزوج وأهله إلى بيت العمدة أبو بسيوني وجلس وسمع حجة أخوال البنت التي ينفون فيها وقعة الزنا ويتهمون الزوج بالكذب ثم سمع حجة أهل الزوج الذين يرمون البنت بالزنا ومعهم الشهود
صمت الشيخ راشد وانتظر الجميع أن يصدر الحكم ولكنه قال لهم أريد أن أجلس مع البنت وأمها على إنفراد وبالفعل جاءوا بالبنت وأمها في بيت العمدة ابو بسيوني وجلس الشيخ راشد معهن وقال للبنت : ماذا حدث؟
قالت : سمعت صراخ رجل ولم أميز الصوت فخرجت مع أهل زوجي فوجدت زوجي ومعه الجيران أتوا عندي وضربني زوجي أمامهم ورماني بالزنا فقام الجيران بمنعه من ضربي مرة أخرى وعلى غفلة منهم هربت وذهبت عند أخوالي أحتمي بهم
قال الشيخ راشد : هل سمعتي الصرخة قريبة من البيت أم بعيدة؟
قالت : الصرخة كانت بعيدة

البت في القضية وإظهار الحكم

أحس الشيخ راشد بصدق البنت ثم ذهب الشيخ راشد إلى المقعد وجلس في صدر المجلس وقال : نحمد الله ونشكره على نعمة إظهار الحق وقمع الباطل فهو العادل أما بعد فقد حكمت بإن البنت بريئة من تهمة الزنا والزوج قد لفق لها هذه التهمة ... عندما أصدر الشيخ راشد الحكم زاد الهرج والمرج في المقعد فصمت ولم يتكلم حتى صمت الجميع ثم أكمل كلامه وقال : أنا ليس دجال ولا منجم بل أنا أحكم بالادلة والحجة وسوف أثبت صحة حكمي لكم الأن
أولاً : أدعى الزوج بإنه رأى رجل خرج من البيت وصرخ واستغاث الزوج بالناس في أول وهلة من رؤيته وركض خلفه وخرج الجيران من ثاني صرخة فرأوا الزوج يركض فركضوا خلفه ولم يروا أحد غير الزوج وهذا غير منطقي لإن المسافة من باب البيت إلى طريق الأسفلت مائة وأربعون خطوة فكان يجب أن يروا الرجل
ثانياً : الرجل المزعوم ركض خوفاً فكان أولى به أن يتجه إلى الذرة المزروعة والتي تبعد عن البيت بستين خطوة فهي ستساعده على الإختفاء وإذا ركض خلفه أحد فلن يستطيع التعرف عليه ولكن الرجل أختار الطريق المفتوح الطويل وهذا غير منطقي
ثالثا : أختار الرجل الطريق الذي يمر أمام البيوت والجيران وقد خرج الجيران على الاستغاثة في الصرخة الثانية فلماذا لم يقطعوا عليه الطريق ؟ ... فالمسافة بين أقرب جار وبيت الزوج ثمانين خطوة فهل الرجل يستطيع أن يركض هذه المسافة بين الصرخة الأولى والصرخة الثاني أو بعد أربع صرخات كما قال الزوج
رابعا : نفترض إن الرجل تجاوز بيوت الجيران قبل خروجهم ثم وصل إلى الطريق وهذا معناه إن الرجل قطع مائة وأربعون خطوة ركضاً والجيران قطعوا ستين خطوة ركضاً ولم يروا أحد وهذا غير منطقي لإن الرجل يجب أن يكون منهك من المسافة التي ركضها وأيضا لا يوجد مكان يختبئ فيه بالقرب من الأسفلت
خامساً : يقول الزوج بإنه صرخ على الرجل بعد خروجه من باب البيت مباشرة وقد خرج الجيران بعد الصرخة الثانية وشاهدوا الزوج يركض وتجاوز بيوتهم فركضوا خلفه فهل الزوج استطاع أن يقطع هو أيضاً مسافة ثمانين خطوة بين الصرخة الأولى والثانية

سادساً : لقد قال الشهود إن الجرة بدأت من باب البيت وأنتهت عند طريق الأسفلت وهم صادقين في مشاهدتهم وبناءً على ما سبق نريد أن نعرف كيف شاهدوا الجرة ولم يشاهدون صاحبها ؟
سابعاً : قالت الزوجة إنها سمعت صرخة ولم تميز صاحبها لبعد الصوت وهذا يعني إن بداية صرخة الزوج كانت بعيدة عن البيت وهذا يثبت لنا صحة تحليلنا لحجة الزوج
ثامناً : قال الزوج بإنه صرخ أربع صرخات أي إنه في حالة مزاجية تجعله يتذكر كم صرخة صرخها وهذا غير طبيعي بالمرة لإن الأمر الطبيعي إنه في حالة توتر وهياج وفورة دم تمنعه من تذكر كم صرخة صرخها ويثبت لنا هذا إن الجيران سمعوا صرختين وتأكدوا منهما ثم أصابهم التوتر ولم يتذكروا عدد الصرخات بعد ذلك وهذا طبيعي ونستدل من هذا إن الزوج لم يتوتر ولم يصب بفورة دم ويدل هذا على إن الأمر كان مرتب منه

تاسعاً : نستنتج من هذا إن صاحب الجرة جاء عند باب البيت وركض هذه المسافة وأختار طريق الأسفلت حتى تنقطع الجرة ويصبح من الصعب تعقبها بإتفاق مع الزوج ثم يأتي الزوج بعد أن يتأكد من رحيل صاحب الجرة ويصرخ ويستغيث ليثبت التهمة على زوجته

وجه الشيخ راشد حديثه مباشرة للزوج وقال بحدة : لماذا فعلت هذا وخنت الأمانة؟
تلعثم الزوج وأرتبك وقال : لقد رأيت الرجل يخرج من عند زوجتي
قال الشيخ راشد : أنت كاذب ولا داعي للإنكار فحجتك فضحتك وشهودك أثبتوا بطلان حجتك وأعلم إن الحجة الباطلة عوجاء
قال أبو الزوج لولده : هل حدث هذا منك؟
تلجلج الزوج وأنهار وبكى ثم قال لأبيه : أنت السبب لإنك رفضت أن تزوجني من البنت التي أحببتها وأخترت لي زوجة لا أحبها لإن أبيها عنده وعنده من الأراضي والمال والبنت سترث مال كثير وخشيت أن أرفض الزواج وخشيت أن أطلقها ولهذا فعلت ما فعلت

بعد أن صمت الزوج قال الشيخ راشد : لقد سمعتم أعتراف الزوج والان أسمعوا الحكم لقد حكمنا على الزوج بعون الله وقدرته على الأتي :

أولاً : يطلق زوجته
ثانياً : يقطع لسانه ويجلد أربعمائة جلدة جزاءً عن قذفه لزوجته وخيانتة للأمانة وتلفيقه ثم إنكاره للواقعة في المجلس أو يفدي لسانه بخمسين ألف جنيه مصري ويفدي نفسه بخمسمائة جنيه مصري عن كل جلدة
ثالثاً : يرفع الزوج أربع رايات بيضاء الراية الأولى عند بيت اهل البنت وينادي الزوج بأعلى صوته ويقول أنا كذاب في أتهامي لفلانة بنت فلان وهي بريئة من تهمة الزنا التي لفقتها لها والراية الثانية عند بيت الزوجية ويقول نفس الشئ والراية الثالثة ترفع عند أقرب مسجد لبيت الزوجية ويقول الزوج نفس الشئ عند رفع الراية أثناء خروج المصلين من صلاة الجمعة والراية الرابعة ترفع عند أقرب مسجد لبيت أهل البنت ويقول الزوج نفس الشئ عند خروج المصلين من صلاة الجمعة والراية التي لا ترفع يدفع الزوج عنها خمسين ألف جنيه مصري وأقصى وقت للزوج بتنفيذ الحكم شهر من اليوم وإذا لم ينفذ الحكم فإن كفيل الوفا وكفيل الدفا ملزمين أمام الحضور بسداد الحق وتنفيذ رفع الرايات
وقف خال البنت وقال بصوت عالي وبفرح شديد : الله أكبر الله أكبر بيض الله وجهك يا شيخ راشد وأنا بالنيابة عن أبو البنت متنازل عن حق قطع لسان الزوج وجلده وفدية قطع اللسان والجلد ولن أتنازل عن الرايات ..
خرج اخوال البنت وأطلقوا الرصاص من بنادقهم فرحاً وزغردت النساء.

عن الشيخ سيد بن راشد بن زامل بن جرمي شيخ عشيرة الجرامية في بر مصر
منقول

شكرا اخي حمزة على هاذا الموضوع القيم والـــــف شكر

/smiles/5983.gif" alt="Sad" longdesc="7" /> فن القضاء العرفي 3962456370

/smiles/5983.gif" alt="Sad" longdesc="7" />

فن القضاء العرفي 3962456370

/smiles/5983.gif" alt="Sad" longdesc="7" /> فن القضاء العرفي 3962456370

/smiles/5983.gif" alt="Sad" longdesc="7" />

قصه رائعه جدا

الله يعطيك العافيه

جهودك جباره

» القضاء بين البدو
» القضاء العشائري
» القضاء في البادية